مبدأ المجال في جدلية الدين والحياة ـ عبد الرحمن كاظم زيارة

فضاء اوروك ليس صحيحا ان مآسينا وتخلفنا كانا بسبب الدين ، بل بسبب طريقة تعاطينا مع الدين ، وبسبب اعلاء شأن الفتوى والفقه على القران الكريم والسنة النبوية الشريفة في مساحة التداول اليومي والمعرفي والبحثي ، وبسبب الخلط بين الشأنين الشرعي والعام من امور الامة ، وبسبب اختلاط المفاهيم وتشويهها ، اما عن جهل او عن تجهيل .
في هذه المساهمة نطرح مبدأ اسميناه مبدأ المجـــال الذي يميز بين الشأنين الشرعي والعام ، وصلة كل منهما بالدين ، وبنطاق كل منهما ..وسيأتي ذكره في اثناء هذه المقالة ، لا على سبيل المباشرة بايضاح معناه تخصيصا ..
وهنا لابد من تنقية بعض المفاهيم المتداولة في البيئة الفقهية والبيئة الطائفية السياسية لنحدد ما المقصود بالمجال ..

(1) احزاب طائفية لادينية :
لاتوجد احزاب دينية ، بل توجد احزاب طائفية ، فليس ثمة حزب اسلامي يضم مسلمين من مختلف الطوائف والمذاهب والفرق ، بل ان الحزب الطائفي ثلة مولودة في بيئة طائفية غير منسجمة مع كل افراد الطائفة او المذهب ، فهي حالة انشقاقية تضاف الى جملة الانشقاقات الطائفية والذهبية ، بوصف الطائفة امة والمذهب أمة وليس مجرد حالة اجتهادية ضمن الدين الواحد .
ان ارتفاع الانسجام بين الحزب الطائفي وبيئته من جهة ، واختلافه الحاد مع ابناء الطوائف الاخرى يفصح عن حقيقة ان الحزب الطائفي له عقائده الخاصة ومصادره الخاصة ومراجعه الخاصة ، فهو مغرق بداء الشخصنة الى حد واضح في تنظيمه وحركته واداءه .

(2) العقيدة والشريعة :
العقيدة والشريعة مفهومان مختلفان ، وقد لاقا من التشويه والخلط المتعمدين حدا رسّب في اذهان العامة ان كلاهما لمسمى واحد وهذا خطأ ، يتبعه خلط اكبر وهو مساواة كلام الله تعالى ورسوله الكريم مع سواهما ، مساواة تجعل الفقيه او المجتهد كفأ لله وللرسول .
ان التسليم بارتفاع الفرق بين الشريعة والعقيدة ينم عن جهل في اللغة والفقه على حد سواء ، كما يضمر تجهيل المتلقي ، ويخبأ تأليه الفقيه .
ان الشريعة تتألف من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة ، بنصوصهما دون تفسير او شرح لهما . المصدر الاول كلام الله تعالى والثاني حديث الرسول عليه الصلاة والسلام . وعلى هذا ان الشريعة أمرا مفروضا على المسلم وليس له فيها الخيار ، لذلك فإن عنصر التعاقد مرتفع فيها ، ولايمكن لهذا السبب عد الشريعة عقيدة . ان القران الكريم هدى للناس ، وهو بيان للناس ، دون تعاقد معهم ، وكذلك الحديث النبوي الشريف . ان الطابع الاضطراري للشريعة ، اي بالمعنى الذي لايكون فيه الانسان مختار فيه، مصحوبا بالتحفيز على التفكر والتدبر والتعقل .
اما العقيدة او العقائد فهي مجموعة من الافكار تتعاقد عليها جماعة دينية ، سواء كانت طائفة او صاحبة مذهب او صاحبة فرقة . فههنا يظهر عنصر الاختيار مع التباس بعنصر الاضطرار . والى العقيدة ترجع الانشقاقات في الامة الاسلامية فتشرذمت الى طوائف ومذاهب وملل ونحل .
وخلاصة الامر : ان الشريعة هي نصوص القران الكريم ، ونصوص الاحاديث النبوية الشريفة ، اما العقيدة فهي كلام بشر آخرين يضعون فهمهم لقران والسنة في منظومة عقائدية تميزهم عن سواهم .
وبضوء الفرق بين الشريعة والعقيدة المتقدم ذكره ، نجد ان الخلط بين الشأنين الديني والدنيوي طاغ في العقائد ، اما في الشريعة فلا يوجد مثل هذا الخلط ، فلكل مجاله المميز . ففي الشريعة ثمة تكليفات و حدود ليس امام المؤمن سوى التزامها والتقيد بها ، وثمة مفاتيح لكيفية تدبير الامور العامة للامة ، وهذا أمر يتعلق بالشورى ، ورأي الامة ، يتعاقدون عليه طبقا الى المصالح العامة دون مساس بما انزل الله تعالى وبما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فلكل مجاله المتعين والمعروف .

(3) الفكر الوضعي :
اسئ استخدام لفظ ” وضعي ” في المداولات الفقهية كثيرا ، فقالوا ان الفكرالوضعي فكرا الحاديا او انه مناهض للدين ، او رفضا للدين ، او عزلا للدين عن الحياة . وهذا التصور عن الفكر العلماني ليس مقتصرا على البيئة الفقهية الاسلامية ، فلقد سبقهم اليه كهنة الكنيسة في العصر الاوربي الوسيط الذي امتاز بالظلامية والتخلف .
ولو احتكمنا الى معنى لفظ ” وضعي ” ومعنى مصطلح الفكر الوضعي ، من البيئة الفقهية نفسها لوجدنا ان معناه هناك يعني الكذب ،فكل حديث ينسب الى الرسول كذبا فهو حديث ” موضوع ” ، وواضعه يسمى وضّاع او كذاب بالمعنى نفسه . ضمن هذه الحدود لمعنى الوضع فهو كفر لاشك في ذلك . فمن يفتري آية قرانية فهو كاذب ووضاع ، ومن يفتري على الرسول حديثا فهو كذاب ووضاع ايضا .
وحيث ان الشريعة هي نصوص القران والحديث ، فما عداها هو وضعي دون جدال . ولكن الوضع هنا يختلف تقديره والحكم عليه صدقا او كذبا طبقا الى مجاله :
ـ فاذا كان الكلام موضوع من قبل بشر ـ عدا النبي ـ فهو كلام موضوع باطلاق .
ـ واذا كان الكلام الموضوع في الدين ، سواء كان تفسيرا او منهجا او مذهبا او فتوى ، فهو عقيدة موضوعة وتحتمل الصواب والخطأ .
ـ اما اذا كان الكلام في الامور العامة ، السياسية، والاقتصادية ، والاجتماعية .. والتي لم يأتي بها نصا واضح الحكم في القران والسنة ، وليست شأنا دينيا صرفا ، فهذا الكلام من العقائد المتخصصة ، فقد تكون سياسية او اجتماعية او اقتصاديىة ، لذلك قالوا عقيدة الحزب او ايديولوجية الحزب ، فهذه العقائد طريقة عمل او مناهج عمل لادارة الامور العامة لشعب او لأمة ، وغير قابلة للاحتكار من قبل رجل دين او حزب طائفي ، فإن امرها موكول الى الامة بالشورى ( وأمرهم شورى بينهم ) ، والشورى لاتنال الحدود ، والحلال والحرام كما جاءت به نصوص القران والسنة .
وعلى هذا : كل فكرة وضعية ، سواء كانت تفسير للقران الكريم ، او دراسة فقهية ، او فتوى ليست نصا من القران الكريم او الحديث النبوي الشريف فكرة قابلة للمراجعة والتعديل والقبول والرفض وليست ملزمة . وعلى هذا فليس من الصواب ان يوصف الفقيه بالقدسية ، لأن في ذلك مزاحمة لمكانة الله تعالى ، لم يجرأ حتى الرسول بنسبها الى شخصه ، فكيف بما هو ادنى منه مراتب ..
ان احكام الفقيه ليست هي المعيار الذي يحاسب وفقا له المسلمون ، بل القران والسنة النبوية لاغير .
والخلاصة : ان الفكر الوضعي موجود في الفقه وفي العلوم وفي السياسة ، وكل فكر وضعي غير ملزم بالاعتبار الديني . ان العقائد الدينية هي فكر وضعي بامتياز .

(4) العالمانية / العلمانية
لقد ترك الله تعالى امورالمسلمين شورى بينهم بنص القران الكريم ، وهذا هومعنى العلمانية ، نسبة الى العالم ( الحمد لله رب العالمين) ، العالمين نسبة الى العالم ، فللامة ان تختار نظامها السياسي ، طبقا للاخلاقيات العامة التي شرعها الله تعالى ، وليس بوصفة تفرضها عقيدة بشرية تقدم للناس على انها ” اسلامية ” . ان الاسلام لم يفرض نظاما سياسيا معينا ، ولانظاما اقتصاديا معينا ، بل فرض اخلاقيات عامة منها العدل والرحمة والتكافل وما الى ذلك ، اما كيف تبنى وتؤسس الدول فهذا شأن موكول الى الامة .
ان العلمانية ليس كفرا وليس بديلا عن الدين وليس ضده ، بل العكس هو الصحيح ( وأمرهم شورى بينهم) ؟

9 تعليقات

  1. مقال جدا مفيد . وشكرا لك يادكتور على هذا الجهد . لقد تعلمت درسا جديدا
    ودمت عطاءا
    ابرهيم عبيد

    إعجاب

  2. تحياتي،الإسلام دِين قيِّم، وصراطه مستقيم، وأمَّته أمَّة وسط، وهذه الألفاظ (قيم، مستقيم، وسط) تعني الاعتدالَ والتوازن،والتوازن: يعني المساواةَ والمعادلة، بحيث لا يكون ثمَّة مَيل إلى اليمين أو اليسار.
    وهذا ما يتناسب مع طبيعةِ الإنسان وفِطرته.يقول – جل شأنه -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:30].
    وهذه الآية الكريمة على إيجازها رَسمتِ المنهجَ الشرعيَّ المتَّفق مع الناموس الكوني.
    فالمنهج الشرعي: أقِم وجهَك للدِّين حنيفًا.
    والناموس الكوني: فِطرة الله التي فطَر الناس عليها لا تبديلَ لخَلق الله
    فهُما حقيقتان لا جدالَ فيهما، ذلك الدِّين القيِّم.
    وأمَّا مَن انحرف عن هذا المنهج وذلك الناموس، فهو جاهلٌ، وما أكثرَ الجهَّال! ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]ولذلك كان على المسلم أن يعيَ هاتين الحقيقتين ويلزمهما، فإذا فعَل كان كامل التوازن، وإلاَّ كان الانحرافُ والميل:
    والتوازن في المسلِم يشمل أمرين مهمَّين:
    الأوَّل: التوازن في التفكير.
    الثاني: التوازن في السُّلوك والعمل.

    رابط الموضوع: A

    إعجاب

  3. الأمير الحيوي جودت سعيد:” المنطق الحيوي روح الله “!

    مع صدور كتاب الأمير الحيوي للدكتور رائق علي النقري- مؤسس مدرسة دمشق المنطق الحيوي , عن دار اليانبيع بدمشق , وركن المعرفة في حمص , وتضمنه مقايسات غير مسبوقة من حيث اجراءات القياس الحيوي التي تم ممارستها وتجريبها و بلورتها وتطبيقها كعلم لمعايير البرهان الحيوي ..
    شمل الكتاب سبع تمهيدات للأمير الحيوي كقياس لعلم معايير البرهان الحيوي يوصفه كاشفا وممارسا لمربع أركان جذر الدين الحيوي العالمي , وتطبيقا لكعبة مصالح قرآن القرآن بهدف وقف تعطيل سريان البداهة , ووقف سفطات الشرك المتمثل في المجزرة السورية وغيرها
    والكتاب يعد المدخل الى البسملة الحيوية بوصفها تمهيدا لأجزاء موسوعة من سبعة كتب يجري فيها تطبيق المنطق الحيوي كهندسة معرفية
    يتضمن الكتاب مقايسات لكل من :
    1- الأمير السلفي الاسلامي الماوردي
    2- والأمير السفي الشيوعي كارل ماركس
    كما يتضمن مقايسات
    3- للأمير المكافلي العنفي نيقولا ,
    4- والأمير السلمي جين شارب..
    5- والرئيس السفي العروبي بشار الأسد
    كما يتضمن مقالة للأمير الحيوي جودت سعيد بعوان “المنطق الحيوي روح الله ” , الأهم هو كون الكتاب يقترح حلولا لتجاوز المجزرة السورية كنموذج ..
    سيكون لنا لاحقا وقفات متعددة عند الكتاب والجديد فيه ..

    إعجاب

    • بحث جميل فقط عندى ملاحظة على قولك
      ان العلمانية ليس كفرا وليس بديلا عن الدين وليس ضده ، بل العكس هو الصحيح ( وأمرهم شورى بينهم) ؟
      امر من هو الشورى بينهم ……؟؟………. اعتقد ان الخطاب موجه للمسلمين لما كان كان امر المسلمين بيدهم …. اما يومنا هذا والبلاد الاسلامية والبلد الواحد قد تجد فيه اطياف مختلفة من يهود ومسيحيين وغيرهم لا يجمعهم الدين لكن تجمعهم المواطنة فهل بالعلمانية يتحقق الغرض من الرسالة المحمدية ويتم فيها تحكيم شرع الله والتى لا تخص الفرد كفرد وانما تخصه ايضا كفرد فى مجموعة ايضا ………… لا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثيروتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه في الأنفس والأموال والأعراض وإلا كان عابدا لغيره كما قال تعالى…….. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت….. فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه فهو العابد له ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطاغوت وانقاد له كما قال تعالى{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا
      هذا حديث يفسر الاية {اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا الاها واحدا لا اله الا هو سبحانه }….. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه ظن أن عبادة الأحبار والرهبان إنما تكون في الذبح لهم، والنذر لهم، والسجود والركوع لهم فقط ونحو ذلك، وذلك عندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وسمعه يقرأ هذه الآية. فقال: (يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم)، يريد بذلك النصارى حيث كان نصرانيا قبل إسلامه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم فتحلونه؟ قال: بلى قال: فتلك عبادتهم)) رواه أحمد والترمذي وحسنه
      والعلمانية تحرم الحلال وتحل الحرام من بيع للخمور واحلال للزنا و……كما ان الحكم فيها للاغلبية سواءا كانوا يهودا او مسيحيين او يساريين كما فى بعض البلاد العربية …. فهل يرضى الله ان يحكم المسلمين يهودى او نصرانيا او يساري لا يؤمن بالله اصلا بدعوى العلمانية ……….. لا اعتقد

      إعجاب

      • الاخت جنان ملاحظاتك لايجمعها موضوع واحد ، ولاضير في اثارة موضوعات متعددة ولكن كان ينبغي الربط بينها ..
        على اية حال سأرد على ملاحظاتك بما يأتي :
        (1) تسائلتي (امر من هو الشورى بينهم ……؟؟) وقلتي وسأختصر قولك “ان الشورى بين المسلمين اما وان فينا المسلم والمسيحي وغيرهم لايجمعهم الدين لكن تجمعهم المواطنة ، وهكذا كلام حسن ” ، ولكن وجود المسيحين وغيرهم لايلغي الشورى ، اما الامر فهو أمر المسلمين ومن كان معهم في الوطن الواحد .
        (2) اظن ، وارجو ان يكون ظني بمحله ، انك لم تفهمي معنى العلمانية الذي ورد في هذه الرسالة ، معناه هو غيرالمعنى الذي يأخذ به المتأسلمون ، معنى العلمانية هنا مستمد من القران الكريم نفسه ( الحمد لله رب العالمين) ، العالمين نسبة الى العالم واللفظ يشير الى كل من هو كائن في العالم ، واللفظ كما نعلم لايدل على مثنى ، بل على نسبة الى العالم . فأمور الامة ـ مسلمون او غيرهعم داخل الوطن الواحد ـ يتخذونه بالشورى . ومن الطبيعي ان هذه الشورى تعبر عن ايمان الامة والغالبية فيها ، وحيث ان الغالبية مسلمون فلايحتمل مخالفة الدين وشريعته في كل ما يصدر عن الشريعة . على ان الشورى لاتنال الاحكام الشرعية الواردة بنص قرآني لمنها تنال الفتاوى التي تصدر بالاستدلال وتنال كل شؤون الامة التي يجمعها لفظ أمر وهي الشؤون السياسية والاقتصادية والثققافية والاجتماعية .
        (3) وعلى ما تقدم ، نعم بالعلمانية ننسجم مع الرسالة الاسلامية ، وانك تلمحين بكلامك ان الرسالة المحمدية بها حاجة الى من يحققها ، واقول ان الرسالة الاسلامية متحققة وانتشرت وعُلمت ، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، ( انما انت منذر ) ، ( ليس عليهم بمسيطر) … ومن كل هذا العلمانية ليس كفرا ، وانما قالوا هذا ليصروا شؤون الفتوى بايديهم ، واحتكارهم لشؤون المسلمين العامة بدعوى الاعلمية والتفقه انما هو طلب التأليه بعينه ، ذلك ان كل ما قيل وصدر من فتوى من قبل البشر باستثناء الرسول عليه الصلاة والسلام هو كلام وضعي ، من وضعغ البشر ، فهو غير ملزم ، وقابل للمراجعة ، قابل للرفض والقبول ، ولكنه على الدوام غير ملزم .
        (4) العلمانية ليست فكر او فقه او دين حتى تحلل وتحرم كما تقولين ، بل ان العلمانية نهج في تدبر شؤون الناس العامة من حرب وسلم ، وسياسة واقتصاد وتعليم وصحة ، انما التحريم والتحليل من شأن القران الكريم والحديث النبوي الشريف حسب ، ومازاد على هذين المصدرين وضعي قابلب للمراجعة ، قابل للرفض والقبول وهذا يدخل في حيز العلمانية ايضا ، وهذا هو معنى (وأمرهم شورى بينهم) . ولاينبغي حصر الشورى بما يسمون بأهل الحل والعقد ، فهذا اجتراح سلطوي وتسلطي لم يأمر به الله تعالى ، وما كان يجوز او يجب على النبي لايجوز على غيره .
        (5) هنا انت تخلطين بين النسوبين الى الدين والمنسوبين الى العقائد السياسية ، وغيرك يخلط بين كل هذا والقومية ، واني اعجب لهذا الخلط ..لابد من تحديد المفاهيم طبقا لمصاديقها ، فعندما نتعرف على مصاديقها يتبين لنا الفرق ، وبالتالي نستطيع ان نرى المفاهيم رؤية واضحة ونستعملها في مواضعها الصحيحة .
        ففي قولك (كما ان الحكم فيها للاغلبية سواءا كانوا يهودا او مسيحيين او يساريين كما فى بعض البلاد العربية …. فهل يرضى الله ان يحكم المسلمين يهودى او نصرانيا او يساري لا يؤمن بالله اصلا بدعوى العلمانية ……….. لا اعتقد) وجدنا هذا الخلط ..
        فمن قولك ان اليساري كافر، والعلماني كافر ، وهذا اعتقاد قاله بعض المتأسلمين ، لكي يحصروا شؤون الناس بايدهم طمعا بالدنيا تحت ستار الدين ، وهذا تأليه بعينه لهؤلاء . ففي الواقع ليس ثمة تناقض بين ان يكون المرء علماني ومؤمن بالاسلام في الوقت ذاته ، بل ان المسلم علماني بنص القران الكريم كما تقدم ذكره .وليس ثمة تعارض بين ان يكون المسلم يساري او قومي او ليبرالي ، فهذا من شأن السياسة والسياسة تدخل في حيز او مجال الشؤون العلمانية او الاصح العالمانية ، نسبة الى العالم ، وهي هنا امور الدنيا ، فلقد تركها الله تعالى شورى بين المسلمين ، وبالتالي شورى بين ابناء الامة .. ألم يقل الرسول في وثيقة المدينة ان المسلمين واليهود أمة ؟
        وهنالك قول للامام علي بن ابي طالب عليه السلام عندما مطالبة الخوارج بتحكيم القران وقولهم ان الحكم لله ، قال الامام بأن لابد للناس من ولي أمر سوى كان تقي او فاجر وعدد مهمام ذلك الولي بما يطابق مهمام رئيس الدولة المعاصرة .

        ارجو منك قراءة المقال مرة اخرى ، واستندي الى مفاهيمه دون ان تخلطي معه ما اكتسبتيه من معلموات سابقة ، ثم قارني بين ما اكتسبتيه وما وجدتيه في المقال ..
        تقبلي تحياتي

        إعجاب

  4. سارد على بعض النقاط التى اثرتها حظرتك
    قلت {{{ ولكن وجود المسيحين وغيرهم لايلغي الشورى ، اما الامر فهو أمر المسلمين ومن كان معهم في الوطن الواحد }}}……لا يلغى الشورى ان كانت بين المسلمين انفسهم وليسوا طرفا فيها ….الا ان وجدنا فى سيرة رسولنا الكريم انه استشار نصارى او يهود فى امور المسلمين رغم تعايشهم معهم
    اعجبنى ان يكون لفظ العلمانية مستمد من الاية {رب العالمين }….لكنك اخذت بمعنى العالمين وتركت معنى الرب ….وهو السيد والمتصرف والمتحكم …..فلا يكون العالمين خارج الاطار العام وهو الربوبية .بحيث لابد ان يكون كل شيئ ومن ضمنهم الحكم لهذا العالمين …. ولا يحكم الله الا بشرعه …….. فهل تحقق العلمانية الحديثة هذا الامر ؟؟
    اعرف انك تفرق بين علمانية المتأسلمين كما تسميها والعلمانية التى اخذتها من الاية لكنك فى الاخر وارجوا ان اكون مخطئة عدت لنفس التعريف السائد وهو دفاعك عن اليساريين واللبراليين بقولك {{{ ففي الواقع ليس ثمة تناقض بين ان يكون المرء علماني ومؤمن بالاسلام في الوقت ذاته }}}
    هل يمكنك ان تقول كما يقول العلمانيون ان الدين علاقة بين العبد وربه فقط .؟؟……..أليس الدين منهج حياة ….سياسية واقتصادية واجتماعية ….. اما قولك ان {{{ ان المسلم علماني بنص القران الكريم كما تقدم ذكره }}} وما ذكرته فلا اعلم كيف ربطت اسلامه مع عدم ايمانه { لست عليهم بمسيطر }…او قول الله { انما انت منذر }….هل يكون مسلما من لم يمتثل لاوامر الله ونواهيه ؟؟
    هنا اكتفى الله ببلاغهم واكد على رسوله انه ليس بمسيطر عليهم حتى يقيم الحجة عليهم
    { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }
    هذا رأيي
    وتقبلوا تحياتى مع جزيل الشكر

    إعجاب

    • حسنا ، تعودنا على مثل هذا الكلام ..ويؤسفني القول انه لايعبر عن جوهر الاسلام وروحه ونصوصه كما جاءت في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة .. انها مجرد دعوات يسوقها رجال الدين والاحزاب المتأسلمة ليسلطوا على رقاب العباد ويجعلون من انفسهم آلهة او شبه آلهة او بديلا او خلفاء للرسول بمكانته ومحله من الرسالة الاسلامية السمحاء ..وانما هو مجرد كلام لارصيد له لا في الاسلام ولا في متطلبات العصر ، علما ان الاسلام يستوعب متطلبات العصر وليس في هذا جدال .. خلافنا سببه عدم وضوح الرؤية عندك في ما اسميناه بالمجال .. حبذا لو عدت للمقالة ليكون حوارنا نافعا ..
      ما زلتي تصرين على ان العلماني واليساري كافر ، وهذا نهج تكفيري ، واليه تعود معظم مصائب المسلمين … ولااتردد بالقول ان سبب تردي الامة الاسلامية ومحنها جاءت من رجال الدين واصحاب المذاهب والملل والنحل … ولولا انهم مغرضون ودنيون لما اختلفوا كل هذا الاختلاف وتحولوا الى طوائف وارباب مذاهب وفئويات عصبوية .. فاذا كان هذا شأنهم في الفقه والعبادات والمعاملات فلنتصور الفوضى التي يخلفونها في حياة الناس وشؤونهم العامة لو تولوا امورهم .. فانظري الى الاوضاع المزرية في العراق التي تتحكم به احزاب متأسلمة سنية وشيعية ، وانظري الى حال تونس التي يتحكم بها حزب النهضة كم هو متردي وفوضوي ، وانظري الى حال ليبيا حيث المتأسلمون يجولون ويصولون بعضهم يقتل بعض والقتل يشمل الناس جميعا ، ناهيك عن الاغتصاب شبه اليومي للنساء … وانظري الى حال مصر في ظل الاخوان وتبعات تمنكنهم من السلطة والى اين ذهبوا بمصر …
      تقولين ان الاسلام منهج سياسي واقتصادي ..وو .. ولااريد ان ان اوفق رأيك او ارفضه ولكني اضع امامك جملةمن الملاحظات وجملة من التساؤلات ، علما اننا نعني بالاسلام هنا هو حصرا القران الكريم والسنة النبوية وما عداهما فكر وضعي حتى وان خرج من جلباب رجل دين ، فقيه كان او سفيه ..
      هل ثمة منهج اقتصادي في الاسلام ؟ ما هو ؟ هل الاقتصاد الاسلامي رأسمالي او اشتراكي او خليط من هذا او ذاك ؟ طبعا لايكفينا الجواب القول بأنه اقتصاد اسلامي ، فعليك هنا ان تجيبي عن امور اقتصادية كثيرة معظمها فني وتقني …
      وكذلك الحال بالنسبة لسياسة الداخلية والدولية ..؟
      قوانين الدولة .. هل يوجد قانون في الاسلام ، في القران والسنة ، لوزارة التعليم العالي مثلا ؟ هل يوجد قانون للعقوبات يلم بكل المخالفات وهي اكثر من ان تحصى ولاتقتصر على الزنا والسرقة وما شاكل ذلك .؟
      هل يوجد في الاسلام نظرية واحدة موحدة لكيفية اختيار ولي الامر ؟ هاتها لو سمحتي ؟ واين تطبيقها ؟ في الخلافة الرشدة ؟ كل خليفة تولي بشكل مختلف عن الاخر .. ام في الخلافة الاموية الوراثية ام في الخلافة العباسية المماثلة ..ام ..أم ..
      المشكلة عند الكثيرين انهم لايربطون ضرورات وتطورات العصر بما جاء به الاسلام ، وكأنهم يعيشون العصر الذي كان عليه الرسول ..
      ان الاسلام لم يدعوا الىتأسيس دولة وانما الدولة نشأت لضرورات حياتية .. تبعا لضرورات العصر ..
      والاسلام قد اوكل الخلافة الى ابناء الامة ، واذا كان الامر محصورا بين المسلمين فقط فهذا يعني الغاء الاوطان .. والغاء الاوطان يجعل من الشعب في مهب الريح ..
      الحمد لله ان المتأسلمين لم يتولوا امرنا وكذلك السلفيين واشباههم ..

      إعجاب

  5. ما استغربه من انصار العلمانية فعلا ……… لم يقبلون انظمة للحكم لفظها مؤسسوها وظهر ت فسادها فى المجتمعات التى طبقت فيها …..هل يستطيع انصارها ان تقولوا ان الرأسمالية نظام ناجح ونحن نرى تبعاته على البلدان الفقيرة والتى تجعلها فى تبعية وتخلف دائمين
    هل يستطيعون الاقرار بنجاح النظام الشيوعى ونحن نحن ما فعله باصحابه
    ولم يتهم بالتأسم كل من يحمل نظرة اسلامية للاقتصاد ولنظام الحكم ولكل المنظمات الاجتماعية والتربوية وغيرها …… لم نقل ابدا ان نستنسخ التجربة النبوية ولا قاله اي مفكر اسلامى صاحب مشروع نهضوى
    لم نقبل افكار اليساري والعلمانى والشيوعى والماركسى ونسمح له بالخطأ ولا نحاسبه ولا نسمح بذلك لصاحب فكرة من منضور اسلامي صرف وكأن الاسلام ليس دين بناء ولم يضع قواعد عامة واسس متينة لكل ما ينظم حياتنا ويظمن اخرتنا وليس فقط لا نسمح له بل نتهمه ايضا فى دينه فنسميه كما تسمونه {متأسلم } ….هذه هي النظرة العنصرية فى ادق تجلياتها
    والحمد لله انه لم يحكمنا علمانى بعد الثورة لاننا راينا ما عملته العلمانية فترة خمسين سنة من الحكم فى تونس ونرى اليوم ازلامهم من يساريين وماركسيين والذي يصرون على عدم وجود لاي كلمة {اسلامى} فى الدستور الذى نعيد كتابته ويهددون بحرق الاخضر واليابس وهدم العملية الانتقالية برمتها ان لم يستجب لهم ……….تلك هي العلمانية للاسف مهما حاولنا تجميلها

    إعجاب

    • لم تجيبي على اسئلتي .. مع انها جوهرية وترينا ماهو الاسلام الذي تقصدينه وكيف يكون الحكم الاسلامي وما هي نظرية الحكم في الاسلام ، وما هي نظريته الاقتصادية ، رؤيته في التنمية ، في السياسة والقانون والعلاقات الخارجية ، قوانين الوزارات ، الدستور ، الزراعة والصناعة والري ، الامن الداخلي والامن الخارجي ، التطور التكنولوجي ، … الى آخره .
      لايكفي ان نسمع دعوات لتطبيق الاسلام في الحكم والشؤون العامة للشعوب دون ان نعرف كيف يكون ذلك ؟ كيف نعرفه على وجه التخصيص ، نحن هنا نسأل عن خطط عملية وبيس دعوات مثالية لارصيد لها في الواقع … المسلمون الاوائل اكثر تطور وانفتاح من المتأسلمين المعاصرين لأنهم فهموا عصرهم وتفاعلوا مع تحدياتهم لذلك وصلوا الى اهدافهم واسسوا تجربة تاريخية فذة في الحكم والدولة وادارة شؤون الناس ، اما المتأسلمون المعاصرون فإنهم متوقفون عند زمان يبعد عنا نحو 1300 عام او اقل بقليل .. وان مقولة ان ( القران الكريم صالح لكل زمان ومكان) اسئ فهمها واسئ استخدامها من قبل المتأسلمين ، عندما ردوها الى تطبيقات المسلمين المرتبطة بظرفها ، بزمانها المعلوم ومكانها المعلوم ، وفهمنا للقول المتقدم ذكره ان الواجبات الفردية والجمعية ملزمة للفرد والمجتمع في كل مكان وزمان ، اما الامور العامة للمجتمع او الشعب فهي متغيرة بتغير عصرها ومكانها وينبغي للمسلمين قيادتها ووضع التصورات الملائمة لها بضوء النظام القيمي للاسلام ( اي النظام القيمي للقران والسنة) مضافا اليه روح ومعاني تجربة المسلمون العرب الاوائل في العدل والانصاف والعزة والكرامة للانسان والمجتمع .
      هنا علينا ان ننتبه الى الطابع الفردي للجانب الاقتصادي في الاسلام ـ اشدد هنا ان الاسلام هو القران والسنة وليس التاريخ الاسلامي وليس الامة الاسلامية ـ ان كل من الزكاة والخمس والصدقة وزكاة الفطرة وغيرها مما جاء في الشريعغة ( القران والسنة) واجبات فردية يؤديها الفرد المكلف بها الى الامة وهي هنا الزكاة والخمس ، او الى الافراد المستحقين مباشرة وهي الصدقات .. وان كل مال يصل الى الخليفة او ولي الامر يوزع مباشرة الى الافراد المستحقين له ولاتبقى اموالا في الخزينة … بكلمات اخرى ليس هناك اموال ملكية عامة في الاسلام ، ولكن التطور الذي فرض نفسه على المسلمين الاوائل قادهم الى تأسيس الدواويين ومن ثم اكتمال المؤسسات لترقى الى مستوى دولة ، وهذا لم يأت بنص قراني او نبوي بل هي من ضرورات تطور الحياة ومتطلبات نشر الاسلام ومتطلبات تجييش الجيوش وامداد جحافل المجاهدين ثم انصرفت التدابير الاقتصادية والادارية لتشمل الامور العامة من الحياة . الارض ليست مملوكة للدولة ، بل كانت الارض مملوكة للافراد ، يملكونها بمجرد السكن عليها وبناء الاحياء والامصار .. اما بقية الارض فهي مشاعة للجميع يبملكها من يستخدمها او يستغلها .. كل هذه الحقائق تؤكد ان النظام الاقتصادي تركه الاسلام للامة تنظمه بالشورى ووفقا للمصلحة العامة وبما يؤدي الى العيش الرغيد والدفاع عن البلدان .
      علينا ان نفهم ونميز مجالات الشريعة وهذهي النقطة التي لم تقتربي منها جيدا … وكلامنا عنها جاء بما يوافق القران الكريم ويطابق تجربة المسلمين الاوائل .

      إعجاب

التعليقات مغلقة.